معالجة التستر وإفرازاته في إطار نظام الاستثمار الأجنبي (1 من 2)
شهدت الساحة الإعلامية في صفحات الصحف ومواقع الإنترنت جدلا واسعا حول الاستثمار الأجنبي واستراتيجيات هيئة الاستثمار في تحسين البيئة الاستثمارية لتوطين الاستثمارات المحلية وجذب الأجنبية، وحول الخدمات المميزة التي تقدمها الهيئة للمستثمر الأجنبي من خلال مراكز الخدمة المنتشرة في المدن الرئيسة مقابل الخدمات الضعيفة التي تقدمها الأجهزة الحكومية المعنية بالمستثمر المحلي (وزارة التجارة، الغرف التجارية، البلديات، وزارة العمل، مصلحة الزكاة والدخل،.. إلخ) التي لم تجتمع في مراكز خدمة مماثلة في وزارة التجارة بما يسمى مكاتب الخدمة الموحدة كتلك التي أنشأتها وفعلتها هيئة الاستثمار.
أيضا كان الجدل دائرا حول نوعية الاستثمارات الأجنبية وفيما إذا كانت البلاد بحاجة للترخيص لمقاولين صغار وفوالين وبائعي حمص وسباكين وحدادين وذكرت هذه المهن من باب الاستهزاء كوننا مجتمعا يحتقر المهن ويزدريها ويترفع عن العمل فيها وللأسف الشديد رغم أن انتشار المهن بين أفراد أي مجتمع يدل على مستواه الحضاري، وكان العذر هنا أن الترخيص لمثل هذه المشاريع يزاحم المواطن السعودي في رزقه الذي يجنيه من وراء التستر على أنشطة الوافدين الاستثمارية الذين ما إن يرخص لهم حتى يحصلوا على حريتهم من جهة الكفالة ومن جهة عدم الرضوخ لابتزاز الكفيل المتُستِر وهو أمر أكثر من عجيب إذ نجيز لأنفسنا كأفراد الترخيص للأجنبي العمل في التجارة في بلادنا بشكل غير نظامي مقابل إتاوة شهرية أو سنوية ولا نجيز للدولة أن ترخص له نظاميا للحفاظ على استقرار وأمن البلاد وأنظمتها ولتأخذ حقها من الضرائب ولتكون على بينة من دقة المعلومات التي بين يديها بالنسبة للوافدين وبالنسبة لنوعية الاستثمارات وملاكها.
وللأمانة وبعد رصد لطرفي الجدال وهو جدال من وجهة نظري وليس حوارا لأنه لا يستند إلى مرجعية واحدة فالطرف الغاضب ينطلق من منطلقات عاطفية ومشكلات وهموم مجتمعية ويحمل هيئة الاستثمار تلك المشكلات والهموم ويصب جام غضبه عليها مقابل فريق لا يرى مبررا لهذا الغضب تجاه هيئة الاستثمار من منطلقات عقلانية منطقية، حيث ينطلق من مهمة الهيئة الرئيسة ومهامها الفرعية حسب النظام ويدرس استراتيجيتها وإنجازاتها في إطار هذه المهمة ويحدد فيما إذا كانت نجحت أم فشلت بشكل عام وفي أي مساحات نجحت وفي أي فشلت وأسباب النجاح والفشل وفيما إذا كان النجاح أو الفشل دائما أو متغيرا، وهذا الفريق يرى أن إنجازات الهيئة رائعة ويطلب منها المواصلة لدمج الاقتصاد الوطني في الاقتصاد العالمي بتعزيز مفهوم التنافسية المناسب لهذه المرحلة على حساب مفهوم الحمائية الذي فات وولى وقته وأصبح الآن زمن الانفتاح الاقتصادي المتزايد يوما بعد يوم.
هذا الجدال دعاني للنظر في قضية الاستثمار الأجنبي نظرة واسعة، حيث ربطت الاستثمار الأجنبي بكل المشكلات الاقتصادية التي تحدث عنها المتجادلون (الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، البطالة السعودة، التستر، نظام الكفيل، مزاحمة المواطن السعودي في رزقه، خروج الأموال إلى خارج شرايين الاقتصاد الوطني، وتفضيل المستثمر الأجنبي على السعودي في المعاملة) ومن ثم نظرة تفصيلية لنظام الاستثمار الأجنبي وفيما إذا كان حلا أو سببا في المشكلة، وأرجو من القارئ الكريم التمعن فيما سأقوله دون أحكام مسبقة ومن نظرة عقلانية تتجاوز العواطف والأنا النرجسية التي تجعل المواطن يتحدث بلغات متعددة لا ينظمها ناظم فكل يحدد موقفه ويتكلم من موقعه دون اعتبار للمواطن الآخر ودون اعتبار للمتغيرات الدولية والاتفاقيات التي تعقدها بلاده فإن كان مستثمرا هاجم وزارة العمل وطالب بفتح باب التأشيرات على مصراعيه ليعمل ويتاجر، وإن كان طالبا للعمل طالب بغلق باب التأشيرات والضغط على المستثمر لتوظيف أبناء وطنه حتى وإن كانوا يستنكفون عن العمل في الوظائف التي يعرضها وإن كانوا غير منافسين من حيث الكفاءة الإنتاجية.
ولنبدأ بمشكلة الكفيل فرغم تصريح نائب وزير العمل الدكتور عبد الواحد الحميد "بأن السعودية تدرس إيجاد آليات تحفظ حقوق الجانبين، ليس من بينها إلغاء نظام الكفيل" فإني أعتقد أن نظام الكفيل آيل للإلغاء تحت ضغط منظمات حقوق الإنسان وها هي البحرين ألغت نظام الكفيل في أيار (مايو) 2009، وبدأ تنفيذ القرار في آب (أغسطس) من العام نفسه، وها هي الكويت تؤكد في أيلول (سبتمبر) الماضي وعلى لسان وزير العمل والشؤون الاجتماعية أنها ستلغي العمل تدريجياً بنظام الكفيل المطبّق على العمال الأجانب ليكون من حق العمالة أن تكفل نفسها بنفسها، لكي تكون لديها حرية التنقل أو العمل في أي قطاع مناسب لها، كما أن مشكلة نظام الكفيل أصبحت نقطة ضغط متواصلة تمارس من الجهات الدولية والحقوقية والإنسانية كافة على دول مجلس التعاون الخليجي في كل المناسبات.
ثم لنرى ما أثر نحو 3500 ترخيص لأعمال صغيرة ومتوسطة أصدرتها هيئة الاستثمار لأجانب يزاحمون المواطن السعودي في رزقه مقابل مئات الآلاف من حالات التستر التي تزاحم هذا المواطن في رزقه أيهما أشد ضررا؟ ثم لنرى أيهما أفضل العمل مع الوافد بنظام التستر المخالف أو العمل معه بنظام الاستثمار الأجنبي المشترك الذي يحفظ حقوق الطرفين "المواطن والوافد" إذا علمنا أن نظام التستر لا يحفظ حق أحد أبدا، كما لا يعطي الدولة حقها من الضرائب التي يجب أن تستوفى من المستثمر الأجنبي، فضلا عن اختلال قواعد البيانات المتوافرة لديها.
مما سبق أود أن أقول إن هيئة الاستثمار قبل هذه الحملة الإعلامية كانت تتشدد في شروط منح التراخيص للاستثمار الأجنبي في الأعمال الصغيرة والمتوسطة غير ذات القيمة المضافة للاقتصاد السعودي من وجهة نظرها، وهناك من هو غاضب من هذا التشدد ويريد الانتقال لمرحلة المنع التام، وأعتقد أن كلا الطرفين على خطأ، نعم أعتقد أنه على الهيئة أن تتساهل في شروط منح التراخيص للاستثمارات الأجنبية المشتركة في الأعمال الصغيرة والمتوسطة (تميس، حمص، فول، سباكة، كهرباء، حلاقة، حدادة، ألمنيوم، تركيب بلاط ... إلخ) فنحن نعلم أن السعودي ليس إلا متسترا في تلك الأعمال وأن حقه وحق المستثمر المستتر ضائع وأن العلاقة بينهما علاقة ليست على ما يرام وكلها شك وريبة وأن الطاسة ضايعة على ما يقول المثل، ولا مانع أن تتساهل في منح التراخيص لمثل هذه المشاريع للاستثمار الأجنبي المباشر.
نعم أعتقد أن الاستثمارات الأجنبية المشتركة ستجعل بلادنا تتخلص تدريجيا من نظام الكفيل لترتاح من هذه المشكلة، كما أنها ستسهم وبشكل كبيرة في القضاء أو الحد من تجارة الإقامات التي تعد حسب تقارير حقوق الإنسان نوعا من أنواع المتاجرة بالبشر المضرة بسمعة بلادنا، كما ستجعل العلاقة بين طرفي المنفعة (المواطن والوافد) علاقة نظامية يسودها الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة وفي حال الاختلاف فالنظام هو الحكم، كما ستصبح بيانات المستثمرين والمقيمين في بلادنا والتحويلات المالية واضحة ودقيقة لتأخذ الدولة حقها من الضرائب وهي بالمليارات، وهي أموال يمكن للدولة أن تضخها لتأهيل الشباب السعودي ليكون منافسا في الحصول على الفرص الوظيفية، كما يمكن لها أن تضخها في صناديق دعم الاستثمارات الوطنية الصغيرة والمتوسطة لدعم الشباب السعودي لاغتنام الفرص الاستثمارية في بلادنا بميزات تنافسية حصرية له هو دون المستثمر الأجنبي، فهل تنهض بذلك هيئة الاستثمار؟ أتمنى ذلك وإنا لها على ذلك لداعمون.
No comments:
Post a Comment